الملك
ملك الشيء أي حازه وانفرد باستعماله والانتفاع به أو التصرف فيه. والاسم مالك .. وأملكه الشيء أو ملكه الشيء أي جعله ملكا له .. وتملك الشيء أي امتلكه. (والملك) بفتح الميم واللام هو واحد الملائكة، وهو جنس من خلق الله تعالى نوراني لطيف كجبريل وعزرائيل. أما (الملك) بفتح الميم وكسر اللام فهو اسم من أسماء الله الحسنى .. وهو يعني ذو الملك وصاحب التصرف فيما يملك بجميع الوجوه ما علمناه منها وما لم نعلم. حين يملك الإنسان شيئا يقال له مالك .. ولكن ملكه محدود بحدود ما ملكه من أشياء. وقد يستخدم الاسم (ملك) مع الإنسان .. ولكن يلاحظ أنه يأتي دائما مضافا .. كأن نقول ملك بلجيكا أي ولي السلطة ببلجيكا.
هذا عن ملك الإنسان .. أما عن ملك الحق جل وعلا فإن الأمر يختلف، لأنه سبحانه وتعالى ليس مالكا فحسب .. بل هو الملك .. الذي يملك الأشياء ويملك من ملكها. إذا امتلك إنسان قطعة أرض فإنه يصير مالكا .. أما الحق جل وعلا فهو الملك لأنه الملك هذا الإنسان ويملك قطعة الأرض ما بحكم كونه الخالق لهما وللكون بأكمله. إن من يشتري شيئا يصير مالكا له .. فمن باب أولى أن ملكية الخالق لما خلق أجلى وأوضح.
وملك الله تبارك وتعالى لكونه يتضمن مفهوم الملكية البسيطة والمستقى من ملكية الناس لبعض متاع الدنيا ويزيد عليه بوجوه أخرى .. فملكية الإنسان ملكية رمزية، أما ملكية الله جل وعلا فهي ملكية حقيقية. إن لحق تبارك وتعالى يملك مخلوقاته ولا يشاركه في هذه الملكية أحد وفي ذلك يقول سبحانه وتعالى:
{ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض} (سورة البقرة ـ 107)
ويقول عز وجل:
{ولله ملك السماوات والأرض والله على كل شيء قدير} (سورة آل عمران ـ 189)
ويقول تبارك وتعالى:
{ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما وإليه المصير} (سورة المائدة ـ 18)
ويقول سبحانه:
{ولله ملك السماوات والأرض وما فيهن} (سورة المائدة ـ 120)
ولقد كلف الله رسله عليهم افضل الصلاة والتسليم بإخبار الناس بهذه الملكية .. وبالفعل كان الرسل جميعا يدعون الناس إلي الإيمان بملكية الحق تبارك وتعالى لكونه، كما يدعونهم إلي الإيمان بعقيدة التوحيد الخالص، ولقد كلف الله نبينا عليه افضل الصلاة وأتم التسليم بأن يخبر الناس بأنه جل وعلا هو الملك الذي له ملك السماوات والأرض .. فقال جل وعلا:
{قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا الذي له ملك السماوات والأرض لا إله إلا هو يحيى ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون “158″} (سورة الأعراف)
ومن آثار ملكه عز وجل لكونه أنه يملك استبدال هذا الكون أو بعض منه بخلق جديد .. وفي ذلك يقول جل وعلا:
{يا أيها الناس أنتم الفقراء إلي الله والله هو الغني الحميد “15″ إن يشأ يذهبكم ويأت بخلقٍ جديدٍ “16″ وما ذلك على الله بعزيزٍ “17″} (سورة فاطر)
كما يملك أيضا أن يضيف إلي كونه ما ليس فيه كما قال جل وعلا:
{الحمد لله فاطر السماوات والأرض جاعل الملائكة رسلاً أولى أجنحةٍ مثنى وثلاث ورباع يزيد في الخلق ما يشاء إن الله على كل شيء قدير “1″} (سورة فاطر)
ومن هذه الآثار أيضا أنه تبارك وتعالى يحيي ويميت من يشاء حين يشاء ولا يشاركه في ذلك أحد .. وقد رأينا ذلك الذي حاج إبراهيم في ربه .. هذا الرجل الذي آتاه الله ملكا، فتخيل بجهله أنه يملك الأحياء والإماتة فظن أنه إذا حكم على إنسان بالموت ثم عفا عنه فقد أحياه .. وإذا نفذ فيه الحم فقد أماته.
كان يملك سيدنا إبراهيم عليه السلام أن يقول له: إن عفوك عن هذا الإنسان بعد أن حكمت عليه بالموت ليس إحياء، لأن الإحياء يكون من العدم أو يكون من الموت، وأنت لم تفعل هذا ولا ذاك، وإن افترضنا جدلا أنك عفوت عنه بعد أن حكمت عليه بالموت، فإنك بذلك لا تكون قد أحييته .. وإنما أبقيت على حياته والتي كانت له قبل أن تحكم عليه أو تعفو عنه .. أما عن ادعائك بأنك نفذت الحكم فإنك تكون بذلك قد أمته، فإن ذلك فهم مغلوط؛ لأنك في حقيقة الأمر نفذت إرادة الله بموته، ولم تمته بإرادتك وقدرتك.
ولكن سيدنا إبراهيم لم يلجأ إلي كل هذا الجدل، لأن حجج قهر الكافرين المجادلين بالباطل لا تحصى، لكنه اختار حجة يسيرة لم يملك هذا الرجل لها دفعا ولا ردا .. وفي ذلك يقول جل وعلا:
{ألم تر إلي الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك إذا قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت قال أنا أحي وأميت قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين “258″} (سورة البقرة)
ومنها أنه سبحانه وتعالى يعلم عن كونه كل شيء .. يعلم كل صغيرة وكبيرة وفي ذلك يقول جل وعلا:
{وسع ربي كل شيء علماً أفلا تتذكرون} (سورة الأنعام ـ 80)
ويقول سبحانه:
{وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه} (سورة فاطر ـ 11)
ويقول عز وجل:
{ذلك لتعلموا أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض} (سورة المائدة ـ 97)
ويقول الحق تبارك وتعالى:
{قال ربي يعلم القول في السماء والأرض} (سورة الأنبياء ـ 4)
ويقول عز من قائل:
{قل أنزله الذي يعلم السر في السماوات والأرض} (سورة الفرقان ـ